هذه قصة ابني مع مطعوم السل أو التدرن الرئوي
عماد هو ابني الأول والوحيد ومثل أي أبوين حرصنا على إعطائه أفضل عناية ومنها المطاعيم.
بعد إعطائه مطعوم التدرن (السل) انتفخ مكان المطعوم في عضده وظل كذلك فترة طويلة وبعد بحثنا في المواقع الطبية تبين أن هذا أمر طبيعي في هذا المطعوم ولم تقف مشاكلنا هنا.
لاحظنا أن مناعة ابني كانت هشة جدا وكان كثيرا ما يمرض لدرجة أننا كنا نخشى أن نخرج من البيت في عطلة نهاية الأسبوع إن كان الجو غير مناسب.
كان عمر عماد 6 أشهر عندما لاحظت زوجتي وجود انتفاخ تحت ابط ابني بحجم حبة الحمص وعلى الفور عرضناه على طبيب أطفال مختص وتعجب الطبيب من شدة الملاحظة وقال لنا أنها الغدة اللمفاوية المسؤولة عن المناعة وكتب له عدد من الفحوصات تبين بعدها أن الاحتمال الوحيد المتبقي هو ما توقعه الطبيب منذ البداية وهو أنها بسبب مطعوم التدرن. أخبرنا أن الفحص والدواء وكل ما يتعلق به متوفر عند جهة حكومية وهي مديرية الأمراض الصدرية والسارية. ولعلمي بطول حبال الدوائر الحكومية قلت له إني مستعد للذهاب لأي مستشفى خاص حتى لو لم يكن مشمولا بالتأمين. فأكد لي أنها غير متوفرة إلا في الدوائر الحكومية فسألته هل تنصحني بالسفر للخارج فأخبرني أنه لا داع لكل ذلك فهو إجراء بسيط والعلاج متوفر.
قمت بالبحث عن المزيد من التفاصيل حتى أفهم مشكلة ابني. بحسب موقع منظمة الصحة العالمية فإن الولايات المتحدة الأمريكية لا تعطي هذا المطعوم مطلقا في حين أن بريطانيا كانت سابقا (منذ 1953) تعطي هذا المطعوم في سن 13 سنة ثم توقفت هي الأخرى منذ 2005. يتكون مطعوم BCG من بكتيريا حية! المصيبة هي أن فعالية هذا المطعوم غير موثقة بسبب التغيرات التي جرت على تتابع سلالات المطاعيم من المعامل المختلفة لاحقا تم التنبه إلى هذا وأصبح يتم تجميد السلالات من التغيرات في كل معمل لكل شركة وبكلمات أخرى ما ينطبق على أحد السلالات (من نسب الأمان والفعالية) من أحد الدفعات من أحد المعامل التابعة لأحد الشركات لا ينطبق على الأخرى.
لسبب ما نحن نعطي هذا المطعوم للرضع وليس لأطفال المدارس مع أننا لسنا في منطقة الخطر.
تم عمل فحص تحت الجلد ثم قياس القطر. هذا الفحص يتعلق بقياس وجود الأجسام المضادة وبحسب ما قرأت فإنه إن كان أقل 5 مم فهو طبيعي وإن وصل 10 مم يحتاج فحص آخر أما من 10 إلى 15 فهو يقينا يحتاج علاج. ابني كانت نتيجته 15 مم وهو أقصى رقم. وهذا ما أكدته الممرضة وهو أنه يحتاج أن يأخذ العلاج. سألنا طبيب الحكومة بحسن نية “ماذا الآن؟ هل نعود بالفحص لطبيبه؟” فتغير وجهه وقال نعم بطريقة غريبة. عندنا فقال نعم نتيجة الفحص تؤكد أنه بحاجة إلى علاج وهو متوفر عند الحكومة حصريا وعلينا العودة. رجعنا إلى طبيب الحكومة فقال أن الممرضة تبالغ في القياس ولا تعرف قراءة الأرقام بشكل صحيح وأنه لا داع للخوف وأن هذا التورم سيذهب لوحده مع الزمن وإن لم يحدث وأصبح كبيرا بحيث لا يستطيع أن يضع يديه على جنبيه عندها نفكر بعلاجه. لم يشف كلامه غليلنا ولم يبدد مخاوفنا قلنا له بأن طبيبه قال بأنه بحاجة لعلاج تغير لونه مرة أخرى وقال حتى أطمئنكم قام بتصوير صدره وقال لنا كما قلت لكم لا يوجد سل في صدره كما في الصورة. عندنا إلى طبيبه الخاص بخفي حنين فقال لنا بأنه حرام علينا تركه دون علاج وعلينا فعل أي شيء للحصول عليه. طبيب ابننا الخاص مشهور ومعروف وله سمعته وهو طبيب حكومي سابق والدواء الذي يريدنا أن نؤخذه متوفر من الحكومة مجانا (بمعنى آخر ليس له مصلحة في أن نشتريه كأن يأخذ عمولة من الشركة المستوردة للدواء …إلخ). سألنا الطبيب هل هناك علاقة لطريقة حفظ المطعوم أو التعامل معه لأن المركز الصحي الذي أعطاه المطعوم لا يطبق الإجراءات الطبيعية وهي أن يخرج مطعوما واحدا من الحافظة أو المبردة لكل حالة بل يخرج الكمية كلها في بداية النهار ويعيدها في آخره كسلا. فأجاب الطبيب أن السبب ليس طريقة الحفظ ومن الطبيعي أن يحصل هذا مع عدد محدود من الاطفال إلا أن الأعداد التي شاهدها من الذين تفاعل المطعوم معهم بشكل سلبي يفوق النسبة المتعارف عليها بشكل كبير جدا ومريب.
ما فهمته من خلال البحث وبصياغته بلغة بسيطة وبتشبيهات غير علمية أن المطعوم الذي يحتوي على البكتيريا الحية قد تكون قوية لدرجة تنهك جهاز المناعة فتتورم الغدة الليمفاوية التي تحاول التصدي لها ولا تتمكن من هزيمتها هي معركة استنزاف تكون البكتيريا محوصلة محاصرة وليست مرض سار وجهاز المناعة منهك في حصارها ولا يستطيع التقاط أنفاسه والتفرغ لحماية الجسم.
موضوع الأجسام المضادة هذا كله موضوع خلافي عند الأطباء يعود سببه إلى أن المطعوم يشوش على الفحص وقد يؤدي إلى أن يعطي الفحص نتيجة إيجابية (أن الجرثومة الحية القوية الممرضة موجودة) مع أنها غير موجودة هناك عدة مدارس طبية. المدرسة الأمريكية في الطب تعطي العلاج إن وجدت الأجسام المضادة بغض النظر عن أي شيء آخر في حين المدرسة البريطانية تعطي فحوص أخرى قبل إعطاء العلاج وليس من ضمن الإجراءات المهنية تصوير الصدر. بمعنى أن إجراءات الطبيب الحكومي غير مهنية بالمطلق.
وطبعا كما تحل المشاكل في بلدي أجرينا بعض الاتصالات وذهبنا لاستلام الدواء حيث فتحنا ملف له وأخبرتنا الممرضة أن هناك الكثيرين عندهم هذه المشكلة لكنها متفاقمة لدرجة لا يمكن السكوت عليها حيث شاهدنا أكواما من الملفات تصل إلى السقف كلهم يأخذون الدواء المضاد لهذا المطعوم.
الحمد لله بعد أن عالجناه من آثار المطعوم تحسنت صحته ومناعته بشكل ملحوظ.
أنا أعلم أن هذه حالة فردية وهي قد تبدو مثل قصة فلان يدخن ولم يصب بالسرطان وفلان لا يدخن وأصيب. لكن أكوام الملفات وملاحظة الطبيب بأن العدد مشبوه. ويبدو أن الحكومة وأطباؤها يريدون التغطية على المشكلة.
مشكلة المطاعيم في العالم وجشع الحكومات معروفة لكنها في دول العالم الثالث مشكلة مركبة مضاعفة تشبه السؤال التالي “إن انتهت صلاحية السم هل يسمم أكثر أم يسمم أقل؟”